السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقاربة بالكفاءات :
إن ما يجب أن يؤمن به المربي -عندما يتعلق الأمر بالحديث عن المقاربة بالكفاءات في الحقل التربوي – هو أن بناء المناهج باعتماد هذه المقاربة لم يكن محض مصادفة و إنما جاء استجابة لمواكبة التطور السريع للمعارف وتقدم تقنيات الإعــلام والاتصال التي تؤثر تأثيرا واضحا على مظاهر الحياة البشرية ، فكان لزاما على المدرسة أن تبني مناهج جديدة تجعل المتعلمين يتعلمون كيـــف يؤدون دورهم في نظام اجتماعي معقد وأن يتعلموا – أيضا – كيف يتعلمون بصفة دائمة ومستمرة .
و إدراكا لما للمدرسة من مسؤولية في تزويد المتعلمين بالأدوات التي تمكنهم من توظيف معارفهم و مواجهة وضعيات – مشكلة – ذات دلالة تتطلبها الحياة المعاصرة ؛ فقد تم تجاوز التصور الكلاسيكي للبرامج التعليمية الجاهزة التي تقدم محتويات المواد على شكل مجزأ دون أي ربط بينها ، إلى مقاربة « منهاجية » دينامية ، دائمة تضفي الانسجام على مخططات تكوين التلاميذ ، و تمنح معنى للتعلمات ، و تمكن المتعلمين من بناء كـــــفاءات و معارف أوسع ، دائمة ووجيهة ، يمكن تجنيدها في مجالي الحيــــــــاة و العمل .
إن طموح المناهج الحالية المبنية على بيداغوجيا الكفاءات ، تهدف في جوهرها إلى جعل الفعل التربوي بمضامينه العلمية و الثقافية يتلاءم والمتغيرات المتلاحقة ليـــعد مواطن الــغد ،ويجعله إيجابي التفكير و الفعل ، قادرا على التكيف و التفاعل السريع .
مواطن الغد الذي يؤمن بالعمل قيمة و بالتفوق ميزة و بالإبداع فضيلة في مجتمع أساسه التلازم بين الحرية و المسؤولية و الإنتاج و الإتقان .
و على العموم ، إن أساس المقاربة بالكفاءات يتمثل في تكوين متعلم لا يكتفي بتلقي العلم واستهلاك المقررات ، بل ينبغي أن يكون مفكرا باحثا ، منتجا ومبدعا ، قادرا على تحمل المسؤولية ، فاعلا في حياته الفردية و الجماعية .
الكفاءة و خصائصها :
الكفــــاءة مجموعة من المعارف والمــــــــعارف الفـــــعلية والمـــعارف السلوكية التي تسمح بــــــأداء دور ، أو وظيفة ، أو نشاط بشكل مــــــناسب وفعال .
علما بأن للكفاءة مفهوما إدماجيا بحيث أنها تأخذ بعين الاعتبار المحتــــــويات والنشاطات الممارسة وكذا الوضعيات التي تمارس في سياقها هذه النشاطات.
وإذن، فالكفاءة معرفة إدماجية مبنية على تسخير مجــــــموعة مــــــوارد و إمكانيات ( معارف ، علوم ، استعدادات ، طرائق تفكير ....) و تحويلها في سياق معين ،وذلك لعلاج مختلف الوضعيات المصادفة أو لتحقيق إنجاز معين .
مع العلم ، أن الكفاءة يتضاءل شأنها و تختفي إذا توقف الشخص عن ممارستها .
وعليه ، فكلما مارسنا هذه الكفاءة زاد حجم كفاءتنا؛ حيث من صفات الكــفاءة الاستمـــــــــرارية و الديمومة في ممارستها .
و بهدف تعميق الفهم، نفصل القول – فيما يأتي – في خصائص الكفاءة:
*توظيف مجموعة من الموارد:
الكفاءة – كما سلف الذكر – تتطلب تسخير جملة من الموارد. و هذه الموارد مختلفة ، متنوعة مثل : المعارف ، والمعارف الفعلية المتنوعة والمعارف السلوكية ، والقدرات .... وفي غالب الأحيان ، فإن هذه الموارد تكوّن خاصية الإدماج في الكفاءة .
*الكفاءة ذات طابع نهائي:
الشخص الذي يحصل على كفاءة ما، يكون قد حصل على قوة للتحرك بصورة إيجابية في الحياة الاجتماعية. ومعنى ذلك أن الكفاءة تحمل في طياتها دلالة بالنسبة إلى المتعلم . هذه الدلالية هي التي تدفع المتعلم إلى توظيف جملة من التعلمات للإنتاج أو للــقيام بعمل أو لمعالجة وضعية مطروحة في نشاطه المدرسي أو حياته اليومية .
*الكفاءة مرتبطة بجملة من الوضعيات ذات المجال الواحد:
تحقيق الكفاءة لا يحصل إلا ضمن الوضعيات التي تمارس في ظلها هذه الكفاءة . يعني ضمن وضعيات قريبة من بعضها بعض . مثال ذلك : كتابة تقرير حول الحرية الفردية و الحرية الجماعية موجه إلى النشر في مجلة بخصوص إشكالية التعايش السلمي ، فالوضعيات ذات المجال الواحد الجديرة بالإشارة إليها تتمثل فيما يأتي :
- تكيف الفرد مع نمط الحياة الاجتماعية .
- تعديل الفرد لسلوكه بما يوافق تقاليد الحياة الاجتماعية.
- خصائص التعايش السلمي.
- علاقة التعايش السلمي بحرية الفرد و الجماعة .
* الكفاءة ذات خاصة مادوية في الغالب :
مما لاشك فيه أن هناك كفاءات متقاربة بالرغم من انتمائها إلى مواد مختلفة .
مثل كفاءة البحث في ميدان العلوم الاجتماعية، فإنها ليست غريبة عن كفاءة البحث في العلوم الطبيعية. غير أن ما يجدر ذكره أن مساعي البحث تختلف من مادة إلى أخرى.
مع العلم أن بعض الكفاءات تتعلق بعدة مواد ؛ أي إن تنميتها لدى المتعلم تقتضي التحكم في عدة مواد لاكتسابها .
و هناك كفاءات في الحياة العملية مجردة تماما من النسب إلى المواد. كأن يكون الشخص – مثلا- كفءا في تسيير الاجتماعات و الملتقيات أو قيادة سيارة في المدينة .
قابلية الكفاءة للتقييم :
الكفاءة تقيم – أساسا – بدلالة المنتوج ؛ و في المجال المدرسي – خصوصا - يقيم التلميذ بدلالة ما ينتجه ؛وذلك باعتماد جملة من المعايير، في مقدمتها جودة الإنتاج و ملاءمة هذا الإنتاج للمطلوب ....
و باختصار ، حين نقبل على تقييم كفاءات المتعلمين ، لا ينبغي أن نكتفي بصوغ أسئلة حول المعارف فحسب بل يجب وضع المتعلم في وضعية معقدة يدعو علاجها تجنيده لمـــــعارفه ومهاراته ومختلف إمكاناته بما في ذلك معارفه الفعلية ومعارفه السلوكية . علما بأن الكفاءة تظهر عند المتعلم بعد التقييم، وهي تعبر عن سلوك قابـــل للمــــلاحظة والقياس.
في حديثنا عن خصائص الكفاءة ، أشرنا الى خاصة ارتباط الكفاءة بجملة من الوضعيات ذات المجال الواحد . و بالنظر إلى أهمية هذه الوضعيات نرى من المفيد تسليط الضوء عليها حتى يزداد فهم الأستاذ لها . فيتوسع إدراكه للمقاربة بالكفاءات .
(يتبع)